بسم الله الرحمن الرحيم
هل تعرف ما الذي يعيش في رموش عينيك؟ إنها..
عناكب الوجه
الأستاذ الدكتور محمد هاشم عبد الباري
^^^^^^^
ربما
يكون لديك نمطا محددا تتبعه عادة عندما تشرع في الذهاب للسرير في نهاية
المساء. ربما تشرب كوبا من الحليب، وربما تغتسل, وربما تنظف أسنانك، أو
تضبط ساعة المنبه، ربما تطفئ مصباح الضوء الضئيل على جانب السرير ثم
تتثاءب وتقول لمن يقاسمك حجرتك تصبح على خير، ثم تنفض غطاء الفراش، وتتلو دعاء النوم، ثم تنزلق تحت الغطاء الممتع وتغلق عيناك وتدخل في نوم عميق لمدة 7-8 ساعات. ولكن في تلك الليلة بينما
أنت مستغرق في أحلامك فان مخلوقا بثمانية أرجل، ربما ليس لك به أية معرفة وليس لديك أية فكرة بوجوده فى الوجود، سوف يخرج من مخابئه فى السرير ويزحف في كل مكان فوق وجهك الوادع الوسيم.
وفى
الواقع وبالرغم من عدم وجود شك في حقيقة هذا الأمر إلا أن تلك المخلوقات
ليست مزعجة تماما حتى تحدث أصوات، فهى تعيش في صمت وتعبث في وجهك. وبالرغم من أنك ربما لم تكن تعرف عنها شيئا حتى حدثتك عنها إلا أنك سوف تعتاد عليها أخيرا. سوف ترى أنها صغيرة للغاية، فهي بضعة أعشار من الملليمتر في الطول. وهى طفيليات. وقد تمضى حياتك كلها دون أن تسبب لك اضطرابا ملموسا بأي طريق ودون أن تعرف عنها إذا لم أكن
قد تحدثت لك عنها!
يعيش على وجهك نوعين من "عناكب الوجه" أولهما هو العنكبوت "ديموديكس فولليكيولورام" الذي يتخذ أجربة شعرك مأوى له. ففي الحقيقة كل جراب شعرة يؤوى مستعمرة صغيرة من نحو عشرة إلى 25 عنكبوت. وثانيهما هو العنكبوت الأصغر "ديموديكس بريفيس" والذي يعيش بملكه داخل واحدة من الغدد الدهنية التي تزيت شعرك وجلدك بإفرازها الزيتي. إنهما عنكبيات ولكنها لا تشبه العناكب كثيرا. فالعناكب الضئيلة الحجم مجهرية الجسم (التي لا ترى إلا بالمجهر أي الميكروسكوب) يطلق عليها اسم "الحلم" (بفتح الحاء واللام)، ومنها "عناكب الوجه" التي
نتحدث عنها. وعلى ذلك فنقول أنها "حلم الوجه". كلا النوعين من "حلم الوجه الديموديكسى" لا يشبهان حتى في الواقع أنواع الحلم الأخرى. فلهما أجسام حرشفية مطاولة شبه شفافة. فمظهر أجسامهما يشبه مظهر أجسام الثعابين أو التماسيح. ولها ثمانية أرجل قصيرة مبتورة كما لو كانت أرجل أفيال متقزّمة! ولأرجلها مخالب دقيقة.
ولتقريب مظهرها إلى أذهاننا فإنها تشبه ربيان (جمبري) متناهية الصغر طولها ثلاثة إلى أربعة أعشار الملليمتر. وتتحرك تلك المخلوقات ببطيء بطريقة بارعة ظريفة ومضحكة كحركة حبوْ الأطفال! تقطع مسافة طويلة جدا في زمن قصير، فهي تسير نحو سنتيمتر واحد في الساعة إلى 12 سم على الأكثر في الساعة ! وبخاصة في المساء، فهي تتجنب الضوء. وإذا قارنا المسافة التي تقطعها بالمسافة التي يقطعها الإنسان بنفس سرعتها بالنسبة لطول الجسم فسوف يقطع الرجل متوسط الطول نحو 60 إلى 700 متر في الساعة الواحدة، ويالها
من سرعة!!
ولكن لا تنزعج. فهي لا تعض. حسن، هي لا تعض بالضبط. فأنت ترى أنها لها أجزاء فم ابريّة حادة مثل المخراز والتي تغرسها داخل خلايا جلدك الميتة قبل أن تمتص العصير الخلوي (السيتوبلازم)، وهى لا تقرب الخلايا الحية في جلد وجهك النضر، لذلك فأنت لا تشعر بوخزها. ولكن الظريف في الأمر أنها لا تتغوّط على وجهك لا سمح الله. فهي تقوم بترويق خلايا جلدك الميت دون أن تترك فضلات
إخراجية غير مرغوبة. يعنى أنها تستطيع أن تجعل جلد وجهك أفضل دون الإضرار بذلك الخصوص. إذا لم يكونوا هناك على وجهك، حيث تموت خلايا الجلد وتتبدل بأخرى حية ويتجدد الجلد، فان خلايا الجلد الميتة سوف تظل عالقة في وجهك ويكون وجهك الصبوح خشنا، وتضطر إلى استعمال الصنفرة لتنعيم وجهك وإزالة الخلايا الميتة كل صباح! وإلا أصبح خشنا مثل جلد الضفدعة والعياذ بالله. لذلك فانه بدلا من الخوف والانزعاج بعد العلم بتلك الوحوش البشعة يجب أن تتوجه إلى الله تبارك وتعالى
الذي خلق تلك المخلوقات لترويق وتنعيم وجهك طوال الليل لتصبح بوجه مشرق صباحا. وأنا
أعتقد أنّ الرئيس المخلوع مبارك لم يكن يمتلك تلك المخلوقات في وجهه بسبب
المداومة على صبغ شعرة وتعاطي حقن الصبغة أو لأن تلك المخلوقات لا تقبل أن
تتخذ وجهه سكنا لها، لذلك فان وجهه لم يكن رائقا بل كان وجهه ولا يزال عبوسا مكفهرا! صحيح أنّ تلك المخلوقات لا تضر بوجهك في الحالات العادية وأنهم لا يتبرزون على وجهك ولكن – معذرة- فهم يتزاوجون فوق وجهك، ويكون من جرّاء ذلك التزاوج فوق وجهك
أن تضع الأنثى ما يصل إلى 25 بيضة في جراب الشعرة الواحدة. وتفقس
البويضات عن يرقات بستة أرجل والتي تتغذى مثلما يتغذى أبويها ثم تكبر
وتنسلخ إلى حيوانات يافعة بثمانية أرجل في غضون 14-18 يوما، حيث تبدأ في التزاوج هي الأخرى لتعيد دورة حياتها، على وجهك أيضا !!
إن عنكبوت "حلم ديموديكس فولليكيولورام"
هو عنكبوت متناهي الصغر (أقل من أربعة أعشار الملليمتر في الطول) يعيش في
مسام جلدك وقواعد شعرك عادة على أنفك وعلى جبينك وعلى خديك وعلى ذقنك،
وغالبا في جذور رموش عينيك. له شكل دودي بأرجل قصيرة غليظة. الأشخاص ذوى الشعور الدهنية أو هؤلاء الذين يستعملون مواد التجميل بكثافة ولا يعتنون بنظافة
أنفسهم جيدا تكون إصابتهم أشد ما يمكن (احذري يا سيدتي ويا ابنتي!). ولكن الأشخاص البالغون يحملون عادة القليل من الحلم الديموديكسى. الالتهابات والتلوث والعدوى تولّد أعدادا كبيرة من ذلك العنكبوت الذي يتجمع في كل بصيلة جراب واحد من أجربة الشعر.
يعيش ذلك العنكبوت ورأسه إلى أسفل في داخل جراب الشعرة، ويتغذى على الإفرازات الدهنية والهرمون وبقايا الجلد الميت. إذا
كان هناك الكثير جدا من أفراد ذلك العنكبوت متزاحما ومدفونا في نفس الجراب
الواحد من الشعرة فقد يسبب ذلك سقوط رمش العين بسهولة. والأنثى الواحدة الملقحة من العنكبوت قد تضع 25 بيضة في الجراب الواحد من أجربة الشعر. وكلما نمت أفراد العنكبوت يكونوا في شكل حزمة محكمة كم
لو كانوا داخل علبة السردين داخل جراب الشعرة. وعند بلوغهم يغادرون الجراب ويتزاوجون على وجهك وفوق أنفك أو قل رغم أنفك ثم يجدون أجربة جديدة للشعر يضعون فيها بيضهم. عناكب الديموديكس والتي تسمى "حلم الوجه"
ترتبط غالبا أو ترافق الرءوس السوداء وحب الشباب واضطرابات الجلد الأخرى
في الوجه (بالرغم من أنه ليس هو السبب في تلك الاضطرابات والاختلالات). وحتى يرتاح بالك فانّ "عنكبوت الديموديكس" ليس ضارا ولا ينقل أمراضا، ولكن الأعداد الكبيرة منه قد تسبب إثارة أو حكة. الجهاز الهضمي لتلك العناكب لا ينتج إلا القليل جدا من الفضلات، حتى أنّ العنكبوت ليس له فتحة إخراجية. وهكذا بالرغم من أنّ هناك عنكبوت في رموشك إلا أنه ليس له مؤخرة تكون سببا في قرفك فاطمئن، وشكرا لك أيها العنكبوت الصامت الطيب النظيف !! فأنت عنكبوت نظيف حقيقة وليس مثل نظيف رئيس
وزراة مصر المخلوع مع سيده !!!
وعلى
أية حال هل تعلم أنك عندما تذهب إلى النوم ليلا وتضع رأسك على الوسادة
فانك تضع رأسك على ميدان يحتشد فيه ألوف مؤلفة من حلم الوجه كما لو كانوا
يقومون بثورة شعبية في ميدان التحرير! هذه الألوف الهائجة
المائجة لا تهدأ إلا عندما تضع رأسك على الوسادة فتزحف على أنفك كما لو
كانت تصعد جبل المقطم ، وتتجه إلى وجنتيك وجبهتك وذقنك وتنهمك في جماعات
ووحدانا في اختراق خلاياك الميتة وامتصاص محتوياتها لتصبح نضر الوجه باسم
ّالمحيّا لتتلو دعاء الاستيقاظ. أنها تحافظ على وجوهنا نظيفة باستهلاك عشرات الملايين من خلايا الجلد التي نذرفها على الوسائد كل يوم؟! أرجوك أن تحاول التظاهر بأنها ليست موجودة هناك حتى يأتيك النوم !!! فلا يوجد ما يسمى بالوسادة الخالية! وأنت أحيانا تشعر بها، فكثيرا ما تمتد أصابعك إلى وجهك لتهرش عندما تشعر أنّ كائنا ما يتمشى على خدك أو على أنفك. أليس كذلك؟!
إننا لم نولد وعلى وجوهنا ذلك الحلم! ولكننا نكتسبهم في مسار حياتنا. فعند العشرين من العمر يقدّر أنّ 25% منا يصبح مالكا لقطعان من هذا الحلم على وجهه. وبهذا الشكل تتزايد القطعان إلى 100% منّا إذا عشنا إلى التسعين. وعلى ذلك فانّه يقدر أنّ نحو ثلث الأطفال والبالغون الصغار يحملون "حلم الديموديكس" وأن نصف
البالغين وثلثي المتقدمون في السن يحملون هذا الحلم. وربما ترجع النسبة الصغيرة من الأطفال الذين يحملون ذلك الحلم إلى أنهم ينتجون إفرازات دهنية أقل.
ويمكن بسهولة الكشف عن وجود ذلك الحلم بنزع شعرة الرمش أو شعرة الحاجب ووضعها تحت الميكروسكوب. أنا أكتب هذه المعلومة ويساورنى القلق من أن أقابل بعض ممن أرسلتها له وأفاجأ بأنه بنصف حاجب أو بلا حاجب أو رموش. أو أن يصبح من المستلزمات الشخصية في المنزل الميكروسكوب بجانب الهاتف والجوال والتلفاز واللاب توب !!!
إننا نلتقطهم من استخدام أمشاط الناس الآخرين وأغطية رءوسهم، ومن عند الحلاقين، ومن
تلامس الشعر والحواجب وتلامس الأنوف والغدد الدهنية على الأنف ، ومن عند
حلاقي السيدات (الكوافيرات)، ومن مساند الرأس في سيارات الأجرة والحافلات
الفاخرة والقطارات والطائرات، ومن الفنادق، وبالطبع من الاحتكاك المباشر
بالناس. وأنا أخشى بعد قراءتك لمقالي هذا أن تتحفظ وربما قد ترسل قبلاتك إلى جدتك في الهواء
منذ الآن !!!
إن هذه الكائنات ليست ضارة على الأرجح، ولكن من العدل أن نقول لك أنهم يدلّون ضمنا على عدد من أمراض الجلد الصغيرة. فالإصابة بهم يمكن أن تؤدى إلى حالة حكّة أو أكلان تعرف "بحالة الديموديكس المرضية" ، ويمكن أيضا أن تسهم في تساقط الشعر. فهي تفرز انزيم هاضم للدهون يسمى "انزيم الليبيز" ليساعد على هضم المادة الزيتية التي تفرزها
الغدد الدهنية في جلودنا. ويمكن أن يتسبب ذلك في انسداد جراب الشعرة. إذا كنت تتوقع المعاناة من أي حالة فعليك بالطبع الاتصال بأخصائي الأمراض الجلدية للاستشارة
إذا لم تكن قد أدركت من قبل بايواءك لذلك الحلم فأنا أعتذر لك عن اخراجى لذلك العفريت من القمقم، ولكنني لا أحب أن تصاب بالهلع. وأذكرك على كل حال أن إصابة بحلم الديموديكس تعتبر لا شيء إطلاقا بالمقارنة ببعض الطفيليات التي يمكن أن تلتقطها مثل الدودة الشريطية أو دودة الانكلستوما.
إن الأنواع المختلفة من الحيوانات تؤوى أنواعا مختلفة من "حلم الديموديكس" ولكن الديموديكس ليس معديا بين الحيوانات.
في الغالبية العظمى من الحالات يمضى "حلم الديموديكس" حياته دون أن يلحظه أحد، وبدون أية أعراض مؤثرة، ولكن في بعض الحالات (عادة ترجع إلى هبوط جهاز المناعة المتسبب بالضغوط أو المرض) يمكن أن تزيد كثافة الحلم زيادة مفاجئة مسببة "حالة الديموديكس المرضية" أو
ما يسمى " عضة حلم الديموديكس" التي تتميز بالحكة والاختلالات الجلدية الأخرى. ويمكن أن يتسبب التهاب جفون العين بواسطة "حلم الديموديكس". وهناك بعض الدلائل على ارتباط حلم الديموديكس ببعض أشكال الأمراض الجلدية التي تسمى "روزاسيا" وهى احمرار مع طفح جلدي وردى الشكل بالقطاع
الأوسط من الوجه والذي يرجع إلى بكتيريا "باسيللاس أوليرونياس" الموجودة في الحلم.
وفى ختام مقالى المتواضع لا يسعنى الا أن أذكّر نفسى وأذكّرك بما أنزله لنا ربنا من آيات القرآن الكريم:
"والخيل والبغال والحمير لتركبوها ويخلق مالاتعلمون"
(النحل آية: 8
"ان
فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب (*)
الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السموات
والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار"
(آل عمران آيتى 190، 191)
سبحانك اللهم وبحمدك
عدد خلقك
ورضا نفسك
وزنة عرشك
ومداد كلماتك
البروفيسور
محمد هاشم عبد الباري
12 ربيع أول 1432
15 فبراير 2011
هل تعرف ما الذي يعيش في رموش عينيك؟ إنها..
عناكب الوجه
الأستاذ الدكتور محمد هاشم عبد الباري
^^^^^^^
ربما
يكون لديك نمطا محددا تتبعه عادة عندما تشرع في الذهاب للسرير في نهاية
المساء. ربما تشرب كوبا من الحليب، وربما تغتسل, وربما تنظف أسنانك، أو
تضبط ساعة المنبه، ربما تطفئ مصباح الضوء الضئيل على جانب السرير ثم
تتثاءب وتقول لمن يقاسمك حجرتك تصبح على خير، ثم تنفض غطاء الفراش، وتتلو دعاء النوم، ثم تنزلق تحت الغطاء الممتع وتغلق عيناك وتدخل في نوم عميق لمدة 7-8 ساعات. ولكن في تلك الليلة بينما
أنت مستغرق في أحلامك فان مخلوقا بثمانية أرجل، ربما ليس لك به أية معرفة وليس لديك أية فكرة بوجوده فى الوجود، سوف يخرج من مخابئه فى السرير ويزحف في كل مكان فوق وجهك الوادع الوسيم.
وفى
الواقع وبالرغم من عدم وجود شك في حقيقة هذا الأمر إلا أن تلك المخلوقات
ليست مزعجة تماما حتى تحدث أصوات، فهى تعيش في صمت وتعبث في وجهك. وبالرغم من أنك ربما لم تكن تعرف عنها شيئا حتى حدثتك عنها إلا أنك سوف تعتاد عليها أخيرا. سوف ترى أنها صغيرة للغاية، فهي بضعة أعشار من الملليمتر في الطول. وهى طفيليات. وقد تمضى حياتك كلها دون أن تسبب لك اضطرابا ملموسا بأي طريق ودون أن تعرف عنها إذا لم أكن
قد تحدثت لك عنها!
يعيش على وجهك نوعين من "عناكب الوجه" أولهما هو العنكبوت "ديموديكس فولليكيولورام" الذي يتخذ أجربة شعرك مأوى له. ففي الحقيقة كل جراب شعرة يؤوى مستعمرة صغيرة من نحو عشرة إلى 25 عنكبوت. وثانيهما هو العنكبوت الأصغر "ديموديكس بريفيس" والذي يعيش بملكه داخل واحدة من الغدد الدهنية التي تزيت شعرك وجلدك بإفرازها الزيتي. إنهما عنكبيات ولكنها لا تشبه العناكب كثيرا. فالعناكب الضئيلة الحجم مجهرية الجسم (التي لا ترى إلا بالمجهر أي الميكروسكوب) يطلق عليها اسم "الحلم" (بفتح الحاء واللام)، ومنها "عناكب الوجه" التي
نتحدث عنها. وعلى ذلك فنقول أنها "حلم الوجه". كلا النوعين من "حلم الوجه الديموديكسى" لا يشبهان حتى في الواقع أنواع الحلم الأخرى. فلهما أجسام حرشفية مطاولة شبه شفافة. فمظهر أجسامهما يشبه مظهر أجسام الثعابين أو التماسيح. ولها ثمانية أرجل قصيرة مبتورة كما لو كانت أرجل أفيال متقزّمة! ولأرجلها مخالب دقيقة.
ولتقريب مظهرها إلى أذهاننا فإنها تشبه ربيان (جمبري) متناهية الصغر طولها ثلاثة إلى أربعة أعشار الملليمتر. وتتحرك تلك المخلوقات ببطيء بطريقة بارعة ظريفة ومضحكة كحركة حبوْ الأطفال! تقطع مسافة طويلة جدا في زمن قصير، فهي تسير نحو سنتيمتر واحد في الساعة إلى 12 سم على الأكثر في الساعة ! وبخاصة في المساء، فهي تتجنب الضوء. وإذا قارنا المسافة التي تقطعها بالمسافة التي يقطعها الإنسان بنفس سرعتها بالنسبة لطول الجسم فسوف يقطع الرجل متوسط الطول نحو 60 إلى 700 متر في الساعة الواحدة، ويالها
من سرعة!!
ولكن لا تنزعج. فهي لا تعض. حسن، هي لا تعض بالضبط. فأنت ترى أنها لها أجزاء فم ابريّة حادة مثل المخراز والتي تغرسها داخل خلايا جلدك الميتة قبل أن تمتص العصير الخلوي (السيتوبلازم)، وهى لا تقرب الخلايا الحية في جلد وجهك النضر، لذلك فأنت لا تشعر بوخزها. ولكن الظريف في الأمر أنها لا تتغوّط على وجهك لا سمح الله. فهي تقوم بترويق خلايا جلدك الميت دون أن تترك فضلات
إخراجية غير مرغوبة. يعنى أنها تستطيع أن تجعل جلد وجهك أفضل دون الإضرار بذلك الخصوص. إذا لم يكونوا هناك على وجهك، حيث تموت خلايا الجلد وتتبدل بأخرى حية ويتجدد الجلد، فان خلايا الجلد الميتة سوف تظل عالقة في وجهك ويكون وجهك الصبوح خشنا، وتضطر إلى استعمال الصنفرة لتنعيم وجهك وإزالة الخلايا الميتة كل صباح! وإلا أصبح خشنا مثل جلد الضفدعة والعياذ بالله. لذلك فانه بدلا من الخوف والانزعاج بعد العلم بتلك الوحوش البشعة يجب أن تتوجه إلى الله تبارك وتعالى
الذي خلق تلك المخلوقات لترويق وتنعيم وجهك طوال الليل لتصبح بوجه مشرق صباحا. وأنا
أعتقد أنّ الرئيس المخلوع مبارك لم يكن يمتلك تلك المخلوقات في وجهه بسبب
المداومة على صبغ شعرة وتعاطي حقن الصبغة أو لأن تلك المخلوقات لا تقبل أن
تتخذ وجهه سكنا لها، لذلك فان وجهه لم يكن رائقا بل كان وجهه ولا يزال عبوسا مكفهرا! صحيح أنّ تلك المخلوقات لا تضر بوجهك في الحالات العادية وأنهم لا يتبرزون على وجهك ولكن – معذرة- فهم يتزاوجون فوق وجهك، ويكون من جرّاء ذلك التزاوج فوق وجهك
أن تضع الأنثى ما يصل إلى 25 بيضة في جراب الشعرة الواحدة. وتفقس
البويضات عن يرقات بستة أرجل والتي تتغذى مثلما يتغذى أبويها ثم تكبر
وتنسلخ إلى حيوانات يافعة بثمانية أرجل في غضون 14-18 يوما، حيث تبدأ في التزاوج هي الأخرى لتعيد دورة حياتها، على وجهك أيضا !!
إن عنكبوت "حلم ديموديكس فولليكيولورام"
هو عنكبوت متناهي الصغر (أقل من أربعة أعشار الملليمتر في الطول) يعيش في
مسام جلدك وقواعد شعرك عادة على أنفك وعلى جبينك وعلى خديك وعلى ذقنك،
وغالبا في جذور رموش عينيك. له شكل دودي بأرجل قصيرة غليظة. الأشخاص ذوى الشعور الدهنية أو هؤلاء الذين يستعملون مواد التجميل بكثافة ولا يعتنون بنظافة
أنفسهم جيدا تكون إصابتهم أشد ما يمكن (احذري يا سيدتي ويا ابنتي!). ولكن الأشخاص البالغون يحملون عادة القليل من الحلم الديموديكسى. الالتهابات والتلوث والعدوى تولّد أعدادا كبيرة من ذلك العنكبوت الذي يتجمع في كل بصيلة جراب واحد من أجربة الشعر.
يعيش ذلك العنكبوت ورأسه إلى أسفل في داخل جراب الشعرة، ويتغذى على الإفرازات الدهنية والهرمون وبقايا الجلد الميت. إذا
كان هناك الكثير جدا من أفراد ذلك العنكبوت متزاحما ومدفونا في نفس الجراب
الواحد من الشعرة فقد يسبب ذلك سقوط رمش العين بسهولة. والأنثى الواحدة الملقحة من العنكبوت قد تضع 25 بيضة في الجراب الواحد من أجربة الشعر. وكلما نمت أفراد العنكبوت يكونوا في شكل حزمة محكمة كم
لو كانوا داخل علبة السردين داخل جراب الشعرة. وعند بلوغهم يغادرون الجراب ويتزاوجون على وجهك وفوق أنفك أو قل رغم أنفك ثم يجدون أجربة جديدة للشعر يضعون فيها بيضهم. عناكب الديموديكس والتي تسمى "حلم الوجه"
ترتبط غالبا أو ترافق الرءوس السوداء وحب الشباب واضطرابات الجلد الأخرى
في الوجه (بالرغم من أنه ليس هو السبب في تلك الاضطرابات والاختلالات). وحتى يرتاح بالك فانّ "عنكبوت الديموديكس" ليس ضارا ولا ينقل أمراضا، ولكن الأعداد الكبيرة منه قد تسبب إثارة أو حكة. الجهاز الهضمي لتلك العناكب لا ينتج إلا القليل جدا من الفضلات، حتى أنّ العنكبوت ليس له فتحة إخراجية. وهكذا بالرغم من أنّ هناك عنكبوت في رموشك إلا أنه ليس له مؤخرة تكون سببا في قرفك فاطمئن، وشكرا لك أيها العنكبوت الصامت الطيب النظيف !! فأنت عنكبوت نظيف حقيقة وليس مثل نظيف رئيس
وزراة مصر المخلوع مع سيده !!!
وعلى
أية حال هل تعلم أنك عندما تذهب إلى النوم ليلا وتضع رأسك على الوسادة
فانك تضع رأسك على ميدان يحتشد فيه ألوف مؤلفة من حلم الوجه كما لو كانوا
يقومون بثورة شعبية في ميدان التحرير! هذه الألوف الهائجة
المائجة لا تهدأ إلا عندما تضع رأسك على الوسادة فتزحف على أنفك كما لو
كانت تصعد جبل المقطم ، وتتجه إلى وجنتيك وجبهتك وذقنك وتنهمك في جماعات
ووحدانا في اختراق خلاياك الميتة وامتصاص محتوياتها لتصبح نضر الوجه باسم
ّالمحيّا لتتلو دعاء الاستيقاظ. أنها تحافظ على وجوهنا نظيفة باستهلاك عشرات الملايين من خلايا الجلد التي نذرفها على الوسائد كل يوم؟! أرجوك أن تحاول التظاهر بأنها ليست موجودة هناك حتى يأتيك النوم !!! فلا يوجد ما يسمى بالوسادة الخالية! وأنت أحيانا تشعر بها، فكثيرا ما تمتد أصابعك إلى وجهك لتهرش عندما تشعر أنّ كائنا ما يتمشى على خدك أو على أنفك. أليس كذلك؟!
إننا لم نولد وعلى وجوهنا ذلك الحلم! ولكننا نكتسبهم في مسار حياتنا. فعند العشرين من العمر يقدّر أنّ 25% منا يصبح مالكا لقطعان من هذا الحلم على وجهه. وبهذا الشكل تتزايد القطعان إلى 100% منّا إذا عشنا إلى التسعين. وعلى ذلك فانّه يقدر أنّ نحو ثلث الأطفال والبالغون الصغار يحملون "حلم الديموديكس" وأن نصف
البالغين وثلثي المتقدمون في السن يحملون هذا الحلم. وربما ترجع النسبة الصغيرة من الأطفال الذين يحملون ذلك الحلم إلى أنهم ينتجون إفرازات دهنية أقل.
ويمكن بسهولة الكشف عن وجود ذلك الحلم بنزع شعرة الرمش أو شعرة الحاجب ووضعها تحت الميكروسكوب. أنا أكتب هذه المعلومة ويساورنى القلق من أن أقابل بعض ممن أرسلتها له وأفاجأ بأنه بنصف حاجب أو بلا حاجب أو رموش. أو أن يصبح من المستلزمات الشخصية في المنزل الميكروسكوب بجانب الهاتف والجوال والتلفاز واللاب توب !!!
إننا نلتقطهم من استخدام أمشاط الناس الآخرين وأغطية رءوسهم، ومن عند الحلاقين، ومن
تلامس الشعر والحواجب وتلامس الأنوف والغدد الدهنية على الأنف ، ومن عند
حلاقي السيدات (الكوافيرات)، ومن مساند الرأس في سيارات الأجرة والحافلات
الفاخرة والقطارات والطائرات، ومن الفنادق، وبالطبع من الاحتكاك المباشر
بالناس. وأنا أخشى بعد قراءتك لمقالي هذا أن تتحفظ وربما قد ترسل قبلاتك إلى جدتك في الهواء
منذ الآن !!!
إن هذه الكائنات ليست ضارة على الأرجح، ولكن من العدل أن نقول لك أنهم يدلّون ضمنا على عدد من أمراض الجلد الصغيرة. فالإصابة بهم يمكن أن تؤدى إلى حالة حكّة أو أكلان تعرف "بحالة الديموديكس المرضية" ، ويمكن أيضا أن تسهم في تساقط الشعر. فهي تفرز انزيم هاضم للدهون يسمى "انزيم الليبيز" ليساعد على هضم المادة الزيتية التي تفرزها
الغدد الدهنية في جلودنا. ويمكن أن يتسبب ذلك في انسداد جراب الشعرة. إذا كنت تتوقع المعاناة من أي حالة فعليك بالطبع الاتصال بأخصائي الأمراض الجلدية للاستشارة
إذا لم تكن قد أدركت من قبل بايواءك لذلك الحلم فأنا أعتذر لك عن اخراجى لذلك العفريت من القمقم، ولكنني لا أحب أن تصاب بالهلع. وأذكرك على كل حال أن إصابة بحلم الديموديكس تعتبر لا شيء إطلاقا بالمقارنة ببعض الطفيليات التي يمكن أن تلتقطها مثل الدودة الشريطية أو دودة الانكلستوما.
إن الأنواع المختلفة من الحيوانات تؤوى أنواعا مختلفة من "حلم الديموديكس" ولكن الديموديكس ليس معديا بين الحيوانات.
في الغالبية العظمى من الحالات يمضى "حلم الديموديكس" حياته دون أن يلحظه أحد، وبدون أية أعراض مؤثرة، ولكن في بعض الحالات (عادة ترجع إلى هبوط جهاز المناعة المتسبب بالضغوط أو المرض) يمكن أن تزيد كثافة الحلم زيادة مفاجئة مسببة "حالة الديموديكس المرضية" أو
ما يسمى " عضة حلم الديموديكس" التي تتميز بالحكة والاختلالات الجلدية الأخرى. ويمكن أن يتسبب التهاب جفون العين بواسطة "حلم الديموديكس". وهناك بعض الدلائل على ارتباط حلم الديموديكس ببعض أشكال الأمراض الجلدية التي تسمى "روزاسيا" وهى احمرار مع طفح جلدي وردى الشكل بالقطاع
الأوسط من الوجه والذي يرجع إلى بكتيريا "باسيللاس أوليرونياس" الموجودة في الحلم.
وفى ختام مقالى المتواضع لا يسعنى الا أن أذكّر نفسى وأذكّرك بما أنزله لنا ربنا من آيات القرآن الكريم:
"والخيل والبغال والحمير لتركبوها ويخلق مالاتعلمون"
(النحل آية: 8
"ان
فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب (*)
الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السموات
والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار"
(آل عمران آيتى 190، 191)
سبحانك اللهم وبحمدك
عدد خلقك
ورضا نفسك
وزنة عرشك
ومداد كلماتك
البروفيسور
محمد هاشم عبد الباري
12 ربيع أول 1432
15 فبراير 2011